اليمن اليوم.. ميدل إيست أونلاين
بعد مصادقة المجلس التأسيسي على الدستور الجديد بأغلبية كاسحة، وإعلان مهدي جمعة عن حكومة كفاءات غير متحزبة ستحل محل حكومة القيادي في حركة النهضة علي العريض يكون التونسيون قد نجحوا في القطع مع حكم الإسلاميين لينأوا ببلادهم عن ديكتاتورية دينية زاحفة قادت البلاد إلى أزمة خانقة كادت تهدد أسس الدولة في مجتمع يعتبر من أبرز المجتمعات العربية انفتاحا وليبرالية. وتقول المعارضة العلمانية إن حركة النهضة تبدو اليوم "مهزومة" و"ذليلة" أكثر من أي وقت على الرغم من تصريحات قيادييها التي تحمل "نوعا من المكابرة" وتكرر خلالها أن الحركة "خرجت منتصرة" بعد أن "قدمت مصلحة البلاد" على مصلحتها الحزبية. وترى المعارضة أنها خاضت "معارك شرسة" مع الحركة الإسلامية "العنيدة" وأنها نجحت في نهاية المطاف في "إنهاء حكمها لتونس" بعد أن صادق المجلس التأسيسي على الدستور الجديد وبعد أن غادرت الحركة الحكومة لتحل محلها حكومة كفاءات غير متحزبة وفق خارطة الطريق التي ترعاها أربع منظمات مدنية في مقدمتها الإتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية القوية. وعلى الرغم من عنادها والضغوط التي مارستها النهضة داخل المجلس التأسيسي باعتبارها صاحبة الأغلبية إلا أنها فشلت في الدفع باتجاه دستور ديني يؤسس لدولة خلافة تنشدها شأنها شأن مختلف جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم الإخوان. ونص الدستور الجديد في بنوده على "مدنية الدولة" و"حرية الضمير" و"تحجير التكفير" و"المساواة بين الجنسين" و"تحييد المساجد" وبالمقابل خلا من التنصيص على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع وهي بنود أثارت غضب حركة النهضة وطالبت أكثر من مرة بمراجعتها. لكن الكتل النيابية للمعارضة تمسكت بتلك البنود باعتبارها ركائز أساسية للدولة المدنية تقطع مع مفهوم الدولة الدينية مشددة على أن أي مساس بتلك البنود أو التراجع عنها يعكس سعي النهضة إلى دكتاتورية جديدة ستعيد التونسيين إلى القرون الوسطى. وأمام انتفاض صقور النهضة الذين لا يترددون في القول إن الدستور الجديد تمت صياغته تحت "ابتزاز" المعارضة حتى أن الرئيس السابق للحركة الصادق شورو اعتبر أن الدستور "ولد ميتا"، اضطر راشد الغنوشي إلى التدخل ليلقي بثقله محاولا تهدئة القيادات التي ترى أن النهضة "خرجت مهزومة" وقدمت الكثير من التنازلات على حساب "مبادئها". وسربت مصادر مقربة من النهضة أن الغنوشي عقد خلال الأسبوع الماضي سلسلة من الاجتماعات وصفت بالماراثونية مع العديد من القيادات وحاول إقناعها بأن دقة المرحلة التي تمر بها الحركة "تفرض عليها تنازلات مرة" من أجل إنقاذها من الأزمة التي تتخبط فيها. وقالت المصادر أن الغنوشي اعترف بأن اعتراضات الصقور على عدد من بنود الدستور وخاصة المتعلقة منها بمدنية الدولة هي "اعتراضات وجيهة من الناحية الشرعية ولا تنسجم مع الخلفية العقائدية للنهضة" غير أنه لفت إلى أن المصلحة الآنية تفترض تجاوز تلك الاعتراضات تقديرا للوضع العام بالبلاد وموقع النهضة من المشهد السياسي. وشدد الغنوشي على أن قبول النهضة بالدستور الجديد الذي يتسم بمسحة "علمانية" فرضته "هشاشة" موقع الحركة التي فقدت الكثير من صدقيتها ومن شعبيتها حتى أن مقراتها أصبحت عرضة للحرق من قبل التونسيين المحتجين على سياسات الحكومة.